لقد شكل العمل الجمعوي عبر التاريخ
المغربي الحديث حقلا لممارسة نضالية متميزة في مجالات متعددة ارتبطت ارتباطا عضويا
بالممارسة الديموقراطية, الهادفة إلى تسليح الشباب بقيم حضارية تقدمية حداثية
متفتحة نحو التغير, هادفة إلى استشراق الأفاق المستقبلية البديلة, لكل المعالم
الزائفة اجتماعيا, سياسيا, ثقافيا و تربويا التي تحاول الطبقة المسيطرة ترسيخها
بالقوة.
و نظرا للأهمية التي يحتلها العمل الجمعوي من حيت الثأطير و تعبئة إمكانيات
الشباب، و نظرا للدور التاريخي الذي لعبه في هذا المجال يجب على كل الجمعيات
الجادة منها أن تبدل الجهد الكافي لتصحيح مسار العمل الجمعوي باعتبار حقلا و موقعا
للنضال و الإبداع الشبيبي. و الجدير بالذكر أن العمل الجمعوي في منطلقا ته و
أهدافه شكل وعاء لصقل إبداعات الشباب و مده بأسس ثقافية تقدمية بديلة للثقافة
السائدة ،كما أنه ساهم في خلق و بلورة ممارسة تربوية مناقضة و مناهضة لكل أشكال
الاستهدافات التربوية التي كانت تكرسها الطبقة الحاكمة ، و التي كانت تتوق إلى
تدجين الشباب لكونه في نظرها يشكل عنصرا للتوتر و عدم الاستقرار الاجتماعي و
السياسي ، و تاريخ العمل الجمعوي حافل بالعطاءات على أكتر من مستوى أفرزتها نضالات
الشباب في صراعه ضد كل أشكال و التصورات الزائفة التي كرستها الطبقة الحاكمة
الرجعية عبر ترسانة من الوسائل القمعية المادية منها و المعنوية لإيقاف النضال
الجماهيري ، و العمل الجمعوي هو إحدى الجهات الأساسية التي كانت تتقدم هذا الفعل
النضالي عبر العديد من الإطارات التي نظمت الفعل الشبيبي و عبأت إمكانياته الهائلة
سيرورة لعمل معادي لكل المخططات التي تستهدف الوعي التقدمي لدى فئة الشباب .
و من خلال ما سبق فان العمل الجمعوي لا ينفلت من أن يكون ممارسة اجتماعية للثقافي
و تكيفا ثقافيا للاجتماعي، أي انه في ظاهره و جوهره ظاهرة اجتماعية ثقافية تتقاطع
فيه مكونات الشخصية الممارسة له من حيت حمولتها المعرفية و قوتها الوجدانية
الدافعة للعمل و هذا التقاطع بين المعرفة و الوجدان و الانتماء يجعل إذن من
الممارسة الجمعوية مدخل دافعا في الواقع ليس لتغير بنياته الأساسية الكبرى، و انما
تغير على مستوى أشكال التفكير فيه و طريق تصريف المعرفة المكتسبة لبناء النموذج
المرغوب فيه و تأطير الأداة البشرية المزمع تأهيلها لتحقيق ذلك البناء.ادن فالعمل
الجمعوي هو حقل متميز و مجال خصب تنتعش فيه روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي و يتم
فيه الدفع بالشباب نحو تحرير طاقاتهم و إمكانياتهم الإبداعية و خلق أفراد يحكمون
ضمائرهم الحية في الإنتاج الإبداع و النقد.
ادن من خلال ما سبق يحق لنا القول بأن واقع العمل الجمعوي واقع:
- انحصار في أ وساط الشباب المتعلم.
- وعدم الانفتاح على الأوساط القروية.
- وبنية تحتية متدهورة لجل المؤسسات العمل الجمعوي.
- النقص الحاصل في الموارد المالية و البشرية.
- الدوران في حلقة مفرغة، و عدم الانتقال من الكمي إلى النوعي.
هذه التجليات هي نتيجة طبيعة موضوعية لتضافر عدة عوامل منها ما هو موضوعي و ما هو
ذاتي يمكن حصرها في النقط التالية:
* سياسة النظام المغربي في مجال العمل الجمعوي .
- من حيت البنية التحتية للعمل الجمعوي أشبه بكارثة. بحيث نجد منذ الثمانينات إلى
الآن لم يخصص لقطاع الشبيبة و الرياضة إلا واحد في المئة من ميزانية الدولة هذه
النسبة كافية لإبراز مدى الاهتمام بالشباب و الحقل الجمعوي.
- أما من حيث الإطار القانوني للعمل الجمعوي فنجد ما يلي:
1- تقيد حرية تأسيس الجمعيات باشتراط التصريح المسبق.
2-إثقال كاهل الجمعيات بالمصاريف المالية لتكوين الملف الإداري.
3- تعدد الجهات الوصية على العمل الجمعوي.
* أما من حيث السياسة الممنهجة من قبل الطبقة الحاكمة فنجد كذلك:
1- خلق جمعيات رسمية و إغداقها بالمنح و المساعدات المالية.
2- التضييق على الجمعيات الجادة و منعها من بعض أنشطتها.
* و من حيث ما هو ذاتي نجد سيادة البيروقراطية و سجن العمل الجمعوي ضمن
إستراتيجيات ضيقة، و عدم احترام ضوابطه و خلطه مع العمل السياسي.
و إذا كانت هده بعض تجليات أزمة العمل الجمعوي المترتبة عن ألازمة التي تعيشها
الحركات الديمقراطية ببلادنا فالأزمة تتحدد في غياب التصور العلمي للعمل الجمعوي و
غياب تحديد دوره في الصراع الاجتماعي.
&السـياق العـام لبروز العمل التـنموي الجمعـوي.
إن مساهمة الجمعيات في العمل التنموي ليست بالجديدة في المغرب بل كانت قبل
الاستقلال سواء على مستوى محاربة الأمية، التثقيف و توعية الشباب للانخراط في
معركة تحرير الوطن و غيرها. إلا أن هذا العمل لم يكن بارزا بشكل مستقل نظرا
للارتباطات التي كانت بين العمل السياسي و العمل الجمعوي، و قد شكلت الثمانينات و
بداية التسعينات بروز الاهتمام بهذا المجال أمام حقائق لابد من ذكرها و هي
النقاشات الداخلية التي سادت بين الدول المستعمرة التي كانت سببا رئيسيا في ظهور
مجموعة من الآفات الاجتماعية بالدول المستعمرة . كذلك فشل الأحزاب في تحقيق طموحات
السكان في هذه المجالات. و إذا كان الكل قد أجمع على أن إحقاق التنمية الشاملة
رهين بإرساء قواعد الديموقراطية الحقة فإن دور الجمعيات قد بدا يكبر باعتباره
قاعدة ارتكاز لكل انتقال ديموقراطي منشود.و التنمية الحقيقية هي التي تكون في خدمة
المجتمع قبل أن تكون للجمعية و أن لا يكون الهدف منها هو جعل الجمعية منبرا و
مروجا إعلاميا لمنتوج الطرف الأخر، و يشترط فيها كذلك أن ترمي إلى صياغة و بلورة
مطمح الطرفين بكل وضوح و بعيدا عن كل غموض يخفي أهدافا أخرى.و التعاقد و الشراكة
بالنسبة لنا مشروع مع كل الجهات شريطة أن لا يتعارض مع مبادىء الجمعية و لتحقيق
هذا يجب تقوية البنية الجسمية للجمعية و القدرة على ضبط و دمقرطة تسيرها الداخلي و
جعله واضحا، كما وجب تأطير ذاتها و أطرها في مجال صياغة المشاريع و تدبيرها و أن
تمتلك قوة إقناعية بجدوى المشاريع المقترحة .