لم
يعد فقط بإمكان الشباب أن ينخرط في الجمعيات, بل أصبح كذلك قادرا على بنائها و
تشكيلها و ذلك بفضل سيادة قيم الديمقراطية و إعطاء المبادرة الحرة للشباب. و
الدليل على ذلك الكم الهائل من الجمعيات الشبابية التي تشكلت في السنوات الأخيرة
(جمعيات وطنية, محلية, فرعية). فمن جمعيات تعنى بالبيئة والأرض إلى أخرى تسعى إلى
محاربة الإقصاء الاجتماعي والتهميش انتهاء بهيئات شابة تروم الربط بين الثقافات و
زرع روح التسامح و التفاهم فيما بينها. هذه الجمعيات تكون إما على شكل مراكز و
نوادي أو إنها في بعض الأحيان تحمل اسم شعارات لما تروم الدفاع عنه كالجمعيات
النسائية.
إن
انخراط الشباب في العمل الجمعوي يمكن أن بناقش على عدة مستويات. أهمها المستوى
المتعلق بما يمكن أن يمنحه العمل داخل الجمعيات للشباب من تطوير للقدرات و الملكات
الشخصية. ثم مستوى آخر يكون بالضرورة نتيجة للأول بحيث أنه عندما يتمكن الشاب من
تطوير ملكاته و صقل تجربة العمل الجمعوي فانه سيكون ملما بشؤون بمجتمعه وبيئته أو
على الأقل بالميدان الذي تكون جمعيته فاعلة فيه.
تكون
مبادرات الشباب ومشاريعه في الغالب نفعية و تروم التحقيق على المدى القريب كالحصول
على ملعب لممارسة الرياضة أو الحصول على مأوى إلى غير ذلك. لكن العمل الجمعوي,
وهنا تكمن أهميته, يحول هذا الفكر الانفرادي لدى الشباب إلى فكر جماعي. فالفضاء
الجمعوي يضع الشباب أمام محك الإبداع بصيغة الجمع, ويموقعه كعنصر داخل جماعة تروم
تحقيق أهداف معينة و تتخذ قرارات بشكل جماعي و تشاوري. فالعمل الجماعي لدى الشباب
يؤدي إلى تقليص الاختلافات ونشر ثقافة الحوار و يفرض ممارسة الديمقراطية. هذه
المكتسبات لا تكون من الأهداف المباشرة لعمل جمعوي ما, لكنها تكتسب بتلقائية. ومع
الوقت تتجدر هده المبادئ لدى الشباب بحيث يتشبع بها ويجد نفسه يمارسها ويدافع عنها.
فالمعارف
التي يكتسبها الشاب في ميدان العمل الجمعوي من خلال احتكاكه بالناس و بهيئات أخرى
مختلفة تجعله يوما بعد يوم ينمي مهاراته التواصلية و إبداعه الاجتماعي. فلكونه كان
قريبا و فاعلا مباشرا في عمل ما داخل مجتمعه, فهو سيكون بعد مدة معينة من العمل
الجمعوي أكثر قدرة على فهم و تحليل المشاكل و الأوضاع المرتبطة ببيئته. من ثم سيكون الشاب قادرا على المشاركة الفعالة في حل هده
المشاكل أو محاورة الهيئات السياسية في شأنها. فقدرة الشباب على أن يستثمر ويشارك في
حل مشاكل ذات بعد محلي تمكنه ليس فقط من تغيير نظرته للمجتمع و إحساسه بدوره
وانتمائه إليه و لكن أيضا يعرف حاجيات المجتمع و يقدم حلولا لمشاكله.
إن
الانخراط الإيجابي للشباب في العمل الجمعوي داخل محيطه ووعيه بالتحولات اليومية
التي تقع في بيئته يجعلان منه الأمل في رفع تحدي التنمية البشرية المحلية. إن
أهمية هذا الأمر تكمن في كون التنمية المحلية هي رافد التنمية المستدامة و الأمل
الحقيقي في تنمية لامركزية. هذه الأخيرة ستكون أكثر جدوى و قابلة للتحقيق إذا أقدم
الشباب على الانخراط في الجمعيات و تأسيسها داخل المدن و القرى. بحيث يكون هدفها
الأساسي رفع تحدي الشأن المحلي. سيزعم البعض
أن الشباب لا يمتلك القدرة الكافية لتدبير و متابعة تلك الأمور المحلية التي أنشئت
جمعياتهم من أجلها. لكن هده الهيئات الشابة تستطيع تطوير خبرتها و تجاربها ببناء
جسور التعاون مع هيئات مماثلة داخلية وخارجية. فمجال الإبداع والخلق لدى الجمعيات
الشبابية يعد وافرا سواء على المستوى الرياضي أو الثقافي أو الفني أو الاجتماعي أو
التكنولوجي. إن تطوير الشاب لشخصيته بانخراطه في العمل الجمعوي وتمكنه من رفع تحدي
التنمية المحلية سيمكنه لامحالة من الإقدام بشجاعة لأخذ المبادرة سواء لتأطير شباب
آخرين أو للقيام بمهام وتقلد مسؤوليات في المستقبل.
عندما
نرى انجازات بسيطة يمكن أن يقوم بها شباب حي أو مدينة معينة بشكل جماعي, كتنظيم
حدث أو ملتقى أو معرض والسهر على إنجاحه, تتجلى بوضوح
أهمية الحياة الجمعوية لدى الشباب داخل النسيج الاجتماعي. عندما يتمكن الشباب من أن يفكر, يتوقع,
ينشط, يجهز, يبني و يدبر يمكن أن نتصور بما سيعود ذلك على المجتمع من نفع وازدهار
و تقدم. يقودنا هذا إلى الحديث عن اكتساب الشباب للاستقلالية والكفاءة اللازمة
حينما يشارك في الحياة الجمعوية بشكل يناضل من خلاله لتحقيق فكرة أو مشروع يوفر
فيه جهده وإمكانياته وقدراته على التنظيم ليظهره على أرض الواقع. في هذا السياق
نشير فقط إلى ما تقوم به بعض الجمعيات و التعاونيات النسائية في قرى وضواحي المدن.
بحيث تنخرط فيها شابات بشكل فعال و يسهرن على تدبير وإنجاح مشاريع اقتصادية
واجتماعية هامة تعود بالنفع عليهن وعلى منطقتهن وتساعدهن على الاستقرار.
على
الهيئات المختصة ككتابة الدولة في الشباب و دور الشباب تنظيم البرامج و التأطير
اللازم لفائدة الشباب. ووضع الأطر المكلفة بالشباب رهن إشارة هذه الجمعيات بهدف
التنسيق معها وتأطير أعضائها. يتعين كذلك على الهيئات المحلية تشجيع الشباب على
خلق مشاريع في إطار الجمعيات المحلية, مشاريع إبداعية من شانها أن تشجع على
المشاركة و المواطنة الحقة. لان من المعيقات الرئيسية لتطوير
مشاركة الشباب في العمل الجمعوي هي غياب رؤية إستراتيجية واضحة في هذا الباب وكذا
عدم تشجيع و مواكبة مبادرات الشباب بشكل مستمر على المستوى المحلي. في هذا السياق
سيكون مهما للغاية خلق شبكة وطنية لجمعيات الشباب كهيئة تسهر على خلق دينامية
جمعوية و متابعة مشاريع جمعيات الشباب وتوفير الدعم لها.
تجدر
الإشارة كذلك إلى مسألة تنظيمية مهمة, وهي مشاركة الشباب إلى جانب الكبار في مجالس
الجمعيات و في المشاريع الجمعوية. مما يطرح مسألة العلاقة بين الطرفين ومدى تشجيع
الشباب على أخد المبادرة والمسؤولية. ففي كثير من الأحيان يتم تغييب العناصر
الشابة مما يطرح مسألة حكامة الجمعيات. فمن الضروري رفع الحواجز عن مشاركة مختلف
الشرائح الشابة في مجالس الجمعيات و إعطاء الفرصة للخلف ليتقلد مسؤوليات فيها.
إن الشباب ليسوا مجرد
مستهلكين بل مواطنين فاعلين و يحملون مشاريع ومبادرات طموحة تحتاج إلى المساندة و
الدعم. وهنا يأتي دور وسائل الإعلام التي يفترض فيها أن تقوم بدور مهم في إدراج
برامج ذات محتوى موجه للشباب وبالخصوص للعمل الجمعوي وتحدياته