بداية الحركة الكشفية
بدأ بادن باول في نشر فكرته بعد نجاح مخيمه في براونس فعرض عليه أحد رجال الأعمال (أرثر بيرسون) في تمويل جولة يحاضر فيها في أنحاء المملكة المتحدة بهدف شرح ما يسمى (بالمشروع الكشفي)، ووضع بيرسون مقرا تحت بادن باول، واتفق على إصدار مجلة شهرية تحت اسم الكشاف التي صدرت في 18 نيسان 1908م، وشارك بادن باول في زاوية فيها حتى وفاته سنة 1941م.
وكان من بين كتبه التي ساعدت على نشر الكشافة هو كتاب (الكشافة)، حيث قدم مؤلفه للأولاد كمية كبيرة من الأعمال والأشغال المتنوعة وأنشطة الهواء الطلق من الألعاب والتمارين والتجارب العلمية والنصائح المبسطة ليصبحوا أكثر صحة وقدرة في تدبير الأمور كل هذا بلغة مبسطة موجهة إلى الشباب مباشرة دون وسيط. وقد ترجم هذا الكتاب إلى لغات عديدة أسهمت في نشر أفكار بادن باول في مختلف أنحاء العالم.
ثم جاءت فكرة إقامة تجمع على مستوى وطني للتسلية والدلالة أمام الجمهور كيف أصبحت فكرة بادن باول بعد سنتين من إطلاقها، ولبى النداء أكثر من عشرة آلاف شاب قدموا في (كريستال بالاس) في لندن عرضا لإمكاناتهم الكشفية. ثم رأى مؤسس الحركة الكشفية أنه من الضروري تأسيس حركة مستقلة تماما، فقد أنشئت في العاشر من كانون الثاني 1909م أول هيئة تنفيذية لجمعية الكشافة الشباب حيث جمع بادن باول مجموعة من المتطوعين أصحاب الكفاءة وأصبح رئيسهم بطبيعة الحال، وتجمع تحت لوائها 107986 شابا وقائدا ومتطوعا حسب إحصاءات عام 1909م.
وإذا كان بادن باول قد نجح بإنشائه الكشفية البريطانية فهو لم يفكر يوما بتصدير الكشافة إلى العالم الخارجي لكن ذلك حصل تلقائيا دون جهد منه، فعندما نشر كتابه سالف الذكر(الكشافة) ظهرت فرق الكشافة الأولى في كندا واستراليا ونيوزلندا، وفي سنة 1909م في الهند وتشيلي ثم امتدت الأرجنتين والبرازيل، أما الولايات المتحدة عام 1910م وهي نفس السنة التي شهدت ولادة الفرقة الأولى في أوربا الوسطى في بلجيكا وهولندا وفرنسا والدنمارك والنرويج والسويد وغيرها، وفي روسيا سنة 1911م. هذا النجاح الذي بدأ يظهر أثبت تفوق الكشفية، وخلال إحدى رحلات بادن باول كتب رسالة إلى والدته بتاريخ 1911م أبدى فيها رغبته لتوعية الكشفية المصدرة حيث قال فيها:" إني أعتقد بكل جزم أن الكشفية سوف تصبح في القريب العاجل حركة عالمية".
واقترح بادن باول في عدد مجلة (الكشفية المركزية) في تشرين الثاني عام 1911م إنشاء مصلحة خارجية إقليمية تبقى على اتصال دائم مع كشافة البلدان الأجنبية، فالانتشار العالمي الذي حققته الكشفية أجبر المؤسس بشكل ما على تحديد الهوية الانجليزية الأصلية للحركة، وعلى هذا الأساس تقدم بطلب للحصول على براءة ملكية في أواخر سنة 1911م، حيث أصبحت جمعية مسجلة، هدفها تربية الأولاد من كل الصفوف على مبادئ النظام والولاء المدني.
وهكذا فقد توطدت (الكشفية) هذه الكلمة السرية في ضمائر الفتيان بصورة عميقة، فارتضوا الزي الكشفي العملي والملفت للنظر، وأقبلوا عليه بحماس، وأصبحوا يتصرفون بروح مسؤولة، يتوزعون في زمر صغيرة تعمل بإشراف واحد منهم، هذا التصرف دخل في التقاليد الكشفية كأساس للمسؤولية التي هي نقطة انطلاق على طريقة الرجولة. إذ كيف يستطيع الإنسان بلوغ مرحلة الرشد دون اعتماد هذه الطريقة وهو بعد في سن الشباب، وكذلك فكرة خدمة الغير والسلوك اليومي الحسن.وهكذا فقد اكتشف الشباب اليوم لذة التربية الذاتية دون أي ضغط أو عقاب.
مقابل النجاح الذي حققته الكشفية. ظهر الحاسدون من كل نوع، فظهرت تهم ألصقت بالكشفية، فالتيار البريطاني أخذ يتهم بادن باول وأصدقاءه بمحاولة الرجوع بالشباب في بريطانيا إلى الأفكار المحافظة لمصلحة النظام السياسي الفاسد، والمحافظون دورهم اتهموا بادن باول بالاشتراكية استنادا إلى البند الرابع من قانون الكشافة الذي ينص على (أن الكشاف صديق الجميع وأخ لكل كشاف آخر مهما كانت مكانتهم الاجتماعية).
وكذلك واجهت الكشفية معارضة قوية داخل الكنائس تحت عنوان (غياب الهدف الديني في الكشفية)، ولتأكيد هذه الفرضية أثيرت قضية تخصيص صفحتين فقط من أصل ثلاثمائة في كتاب (الكشفية للشباب) لمعالجة الطابع الروحي للتربية الوارد تفصيله في الكتاب من موضوع (الواجب نحو الله ) في الوعد الكشفي.
وفي وجه المحاولات الحكومية والكنسية، بدأ مؤسس الحركة الكشفية يبشر بالاستقلالية منعا لامتصاص الحركة لإبقائها قادرة على الحياة. والمشاكل التي واجهت الكشفية في بدايتها هي أمر طبيعي. فكل مجتمع نجده يقف موقف المعارض أو الحذر من كل دعوة جديدة حتى يتبين موقفها بوضوح، وفي هذا الوقت كان هم بادن باول وأصدقائه معرفة أين هم من التطور الكشفي. لأن الكثير من الحكايات غير الموثقة كانت تصل إلى مسامعهم عن نشاطات تمارس تحت علم الكشفية، لذا دعا في صيف عام 1913م لإقامة أول مخيم عالمي في برمنجهام، ولاقى هذا التجمع نجاحا باهرا وكبيرا حيث لبى الدعوة ثلاثون ألفا من الشباب معظمهم من المملكة المتحدة والبلاد التابعة لها بالإضافة إلى شباب من الصين والنمسا وهنغاريا وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا وهولندا وفرنسا وبلجيكا والنرويج والسويد وأمريكا، وتمتع الجميع بمشاهدة النشاطات المتنوعة والمتعددة كما عرضت بعض الأعمال اليدوية مثل: النجارة والسباكة والكهرباء وخياطة وتصليح الثياب والأحذية وغيرها من المهن، هذا بالإضافة إلى الألعاب الرياضية كالدراجات والمصارعة والجمباز وغيرها.
الحركة الكشفية